الاثنين، 2 نوفمبر 2015

سأل سائلٌ فقال: فما هو سرّ النّعيم الأعظم الذي تقسم به دائماً؟

 سأل سائلٌ فقال:
 فما هو سرّ النّعيم الأعظم الذي تقسم به دائماً؟
 وأجاب الذي عنده علم الكتاب فقال:
 بسم الله الرحمن الرحيم
 يا معشر الأنصار 
لقد أيَّدَ الله الإمام المهدي بأعظم آيةٍ في الكتاب ألا وهي حقيقة اسم الله الأعظم في قلوب أنصار الإمام المهدي المُخلصين منهم الربانيين الذين علموا حقيقة اسم الله الأعظم، أولئك سيعلمون علم اليقين أن ناصر محمد اليماني هو حقاً المهديّ المنتظَر لا شك ولا ريب لكونهم أدركوا أنَّ حبَّ الله وقربه ورضوان نفسه هو حقاً نعيمٌ أكبر من نعيم الجنّة مهما بلغت ومهما تكون، أُولئك قومٌ يحبهم الله ويحبونه حُباً شديداً ألا والله الذي لا إله غيره لا يرضون بملكوت الله جميعاً في الدُنيا والآخرة حتى يتحقق رضوان الله في نفسه، وبما أن الله قد كتب على نفسه أن يرضي عباده الصالحين. تصديقاً لوعده الحق في مُحكم كتابه:
 { رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ }
 صدق الله العظيم [التوبة:100] 
 ولكن منهم من يقيه الله من عذابه فيدخله جنته فإذا هو فرحٌ مسرورٌ بما آتاه الله من فضله، ومنهم الذين يطمعون للشهادة في سبيل الله فتجدوهم قد رضوا عن ربّهم. تصديقاً لقول الله تعالى: 
{ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ ربّهم يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ( 171) } 
صدق الله العظيم [آل عمران] 
 فتجدون أنهم قد رضوا في أنفسهم بما آتاهم الله من فضله ولذلك وصف الله
 لكم حالهم وقال تعالى: { فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ }
 صدق الله العظيم. 
وهذا دليل على انهم قد رضوا في أنفسهم فأصدقهم الله وعده الحق:
 { رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ }
صدق الله العظيم، 
وأولئك باعوا أنفسهم وأموالهم لربِّهم مُقابل جنته التي عرَّفها لهم في مُحكم كتابه وتسلَّموا ثمن أموالهم وأنفسهم الجنة،
 تصديقاً لوعد الله بالحقِّ في محكم كتابه: 
 { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } 
صدق الله العظيم [التوبه:111] 
وأما قوم آخرون فلن يرضيهم الله بجنته شيئاً مهما عُظمت ومهما كانت حتى يحقق لهم النّعيم الأعظم من جنته سُبحانه؛ أولئك هم من أشدِّ العبيد حُباً لله فأحبّهم الله بقدر حُبهم لهُ؛ أولئك تنزَّهت عبادتهم لربِّهم عن الطمع في النّعيم المادي، ولذلك لم تجدوا أنّ الله عرض جنته مقابل الطلب. أولئك هم القوم الذين وعد الله بهم في محكم كتابه في حال ارتدَّ المؤمنون عن دينهم، وقال الله تعالى:
 { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } 
صدق الله العظيم [المائدة:54]
 وبما أنَّ الله كتب على نفسه رضوان عبيده الصالحين تصديقاً لوعده الحقّ في محكم كتابه: { رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ } صدق الله العظيم،
 فالسؤال الذي يطرح نفسه: 
 فهل يا تُرى سيرضون بجنات النّعيم والحور العين وحبيبهم الرحمن ليس راضياً في نفسه بسبب ظُلم عبادة لأنفسهم وقد علموا أنَّ الله هو أشدُّ حسرةً على عبيده الذين ظلموا أنفسهم وأعظم من حسرة الأم على ولدها؛ أولئك تأتي الملائكة فتُبشرهم بجنّة ربّهم الذي وعدهم بها ويريدون أن يسوقونهم إليها، فإذا الملائكة ترى العجب في وجوههم قد علاها الحُزن العميق الصامت! فيقول لهم الملائكة:
 بل لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون. فيقولون:
 ألا والله لو لم يحقق الله لنا النّعيم الأعظم فإنّ حُزننا على النّعيم الأعظم لهو أعظم من حُزن الذين ظلموا أنفسهم. فلم يدرك الملائكة قولهم ذاك وما يقصدون؟
 فلعلهم يقصدون نعيم الجنة! ومن ثم يكرر لهم الملائكة البشرى فيقولون:
 { أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ }
 [فُصِّلت:30] 
ولكن لا فائدة من بُشرى الملائكة لهم بالفوز بنعيم جنة ربّهم مما أدهش ملائكة الرحمن المُقربين وقالوا:
فما خطب هؤلاء القوم وما سبب حُزنهم فما بالهم لم يفرحوا بجنات النّعيم كما فرح بها كثير من المؤمنين؟ 
وما هو النّعيم الأعظم الذي يرجون من ربّهم وهو أعظم من جنات النّعيم؟ مما أدخل الملائكة في حيرةٍ من أمرهم فلا هم من الذين يُساقون إلى النار وأبوا أن يُساقوا إلى الجنة، ومن ثمّ تم حشرهم إلى الرحمن وفداً من بين المُتقين.
 تصديقاً لقول الله تعالى:  
{ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا } 
صدق الله العظيم [مريم:85]. 
 يتقدمهم إمامهم حتى يقفوا بين يدي الرحمن وتأجل أمرهم إلى حين واستمر الحساب بين الأمم وكُلُّ نفسٍ تُجادل عن نفسها. تصديقاً لقول الله تعالى:
 { يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ } صدق الله العظيم [النحل:111]. 
وأما هؤلاء الوفد فكانوا صامتين بين يديْ ربّهم. ومن ثم يبحث المُشركون عن شُفعائهم الذين كانوا يعظِّمونهم في الدُنيا ويتركوا الله حصرياً لهم من دونهم ويقولون إنهم شُفعاؤهم عند ربّهم، كما ينتظر المُسلمون شفاعة محمد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وكما ينتظر النصارى شفاعة رسول الله المسيح عيسى ابن مريم صلى الله عليه وآله وسلم. ومن ثمّ يتمّ إحضار جميع الأنبياء والمُرسلين وأولياء الله المُقربين الذين كانوا يبالغ فيهم أتباعُهم بغير الحقّ، ومن ثمّ حين يرونهم يعرفون اتباعهم الذين يبالغون فيهم بغير الحق:
 { وَإِذَا رَأى الَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَاءهُمْ قَالُواْ رَبَّنَا هَـؤُلاء شُرَكَآؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْ مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ }
 صدق الله العظيم [النحل:86] 
 ومن ثم يقول لهم الله: فادعوهم يستجيبوا لكم فيشفعوا لكم عند ربّكم إن كنتم صادقين! وقال الله تعالى: 
{وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ } صدق الله العظيم [القصص:64]
 ومن ثم يوجّه الله السؤال إلى أوليائه الذين عظَّمهم أتباعُهم بغير الحقّ،
 وقال الله تعالى:
 { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْماً بُوراً (18) } 
صدق الله العظيم [الفرقان] 
 فأنكر أولياء الله أنهم أمروهم بتعظيمهم بغير الحقّ، وقال الله تعالى: 
{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ ۚ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ ۖ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ﴿٢٨﴾فَكَفَىٰ بِاللَّـهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ ﴿٢٩﴾}
 صدق الله العظيم [يونس] 
وأما طوائف اخرى فألقَوا باللوم على الأمم من قبلهم لكونهم اتَّبعوهم الاتباع الأعمى وهم كانوا على ضلال مُبين، وقال الله تعالى: 
{ قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاء الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ } 
صدق الله العظيم [القصص:63]
 فأما المقصود بقولهم: { رَبَّنَا هَؤُلَاء الَّذِينَ أَغْوَيْنَا } ويقصدون أمّةً قبلهم وهم آباؤهم الذين وجدوهم يعبدون عباد الله الصالحين زلفاً إلى الله فاتبعوهم الاتّباع الأعمى، ولذلك رفعوا القضية على آبائهم الأمّة التي كانت قبلهم، وقالوا:
 { رَبَّنَا هَؤُلَاء الَّذِينَ أَغْوَيْنَا } أي هؤلاء هم الذين كانوا السبب في إغوائنا عن الحقّ. ومن ثم القول بالجواب بالاعتراف وقالوا: { أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا } أي أغويناهم كما غوينا فبالغنا في عبادك المُكرمون بغير الحقّ حتى دعوناهم من دونك، ومن ثم ألقى الجواب عباد الله المُكرمون وقالوا: 
{ تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ } صدق الله العظيم.
 وأما طائفةٌ أخرى فكانوا يعبدون الملائكة وهم ليسوا بملائكة؛ بل من شياطين الجنّ وكانوا يقولون لهم إنهم ملائكة الرحمن المُقربين، فيأمرونهم بالسجود لهم قربةً إلى ربّهم، ومن ثم يوجّه الله السؤال إلى ملائكته المُقربين، ويقول: 
 { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الجنّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ(41) }
 صدق الله العظيم [سبأ] 
 وقال الله لهم فادعوهم هل يستجيبوا لكم فيشفعوا لكم عند ربّكم؟
 فدَعوهم ولم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب، وقال الله تعالى:
 {وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ} 
 صدق الله العظيم [القصص:64] 
 فإذا بعبدٍ من عبيد الله يصرخُ شاكياً إلى ربّهم ظُلم هؤلاء القوم الذين أشركوا بربّهم أنهم ظلموه، ومن ثم يزيدهم هماً بغمٍ، وإنما ذلك حتى يستيئسوا من شفاعة العبيد بين يدي الربّ المعبود، فينيبوا إلى ربّهم بعد أن استيئسوا من رحمة عبيده.
 تصديقاً لقول الله تعالى: 
 { هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ وَرُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الحقّ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } صدق الله العظيم [يونس:30] 
 ومن ثمّ يتمُّ عرض الرحمن على إمامِ القليل من الآخرين حتى يرضي عبده ومن كان على شاكلته، فتمَّ عرض عليه الدرجة العالية الرفيعة في الجنّة فيأبى، ومن ثمّ يزيده الله ويقول حتى ولو جعلتك خليفة ربّك على ملكوت كُلِّ شيء فيأبى، ثم يزيده الله بأمره "كُن فيكون" فيؤيده بقدرته المُطلقة بإذنه فيقول للشيء كُن فيكون فيأبى، ومن ثمّ تعمُّ الدهشة جميع عباد الله الصالحين حتى ملائكة الرحمن المُقربين، ويقولون:
 "إذاً فما هو هذا النّعيم الأعظم مما عرض الله عليه فيا للعجب الشديد".
 وأما الصالحون من الناس فظنوا في ذلك العبد ظناً بغير الحقّ وقالوا في أنفسهم فأي نعيم هو أعظم مما عرض عليه ربه؛ بل كأن هذا العبد يريد أن يكون هو الربّ فما خطبه وماذا دهاه يرفض أن يكون خليفة الله على ملكوت الجنة التي عرضها السماوات والأرض؛ بل خليفة الله على ملكوت الله جميعاً، فأي نعيم هو أعظم من ذلك الملكوت كُله! فكيف يسخر الله لهُ الوجود كُله فيأبى؟
 فتظهر الدهشة الشديدة على وجوههم من ذلك العبد حتى شاهدوا زمرته الدهشة قد ازدادت على وجوه الصالحين، وعمّت الدهشة جميع الملائكة المُقربين، فإذا زُمرة ذلك العبد يتبسمون ضاحكين من دهشة عبيد الله الصالحين والمُقربين كونهم يعلمون بحقيقة اسم الله الأعظم هو أن يكون الله راضياً في نفسه، وكيف يكون الله راضياً في نفسه؟ وذلك حتى يدخل عباده في رحمته، فهم كذلك لديهم ما لدى إمامهم من الإصرار على تحقيق النّعيم الأعظم من جنة النّعيم وإنما يخاطب ذلك العبد ربّه باسمه واسمهم جميعاً كون هدفهم واحد لا ثاني له ولا ند له ولا يقبلون المُساومة فيه شيء وذلك العبد هو الوحيد الذي أذن الله له أن يُخاطبه في عباده لكونه لن يشفع لهم عند ربّهم فيزيدهم ضلالاً إلى ضلالهم؛ بل أذِنَ الله لهُ أن يخاطب ربّه لكون الله يعلم أن عبده سيقول صواباً بينما جميع المُتقين لا يملكون من الرحمن خطاباً. تصديقاً لقول الله تعالى: 
{ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33) وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا كِذَّابًا (35) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (37) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38) } 
صدق الله العظيم [النبأ] 
 وذلك هو العبد الذي أذن له ان يخاطب ربّه في سرّ الشفاعة لكونهُ لن يسأل الله الشفاعة ولا ينبغي له؛ بل لله الشفاعة جميعاً فليس العبد أرحم من الله أرحم الراحمين، وإنما يحاج ربّه في تحقيق النّعيم الأعظم من جنته ولن يتحقق ذلك حتى يرضى في نفسه سُبحانه، وذلك العبد الذي أذن له الرحمن وقال صواباً هو العبد الوحيد الذي علم بحقيقة اسم الله الأعظم ومن ثم علَّم الناس به ومن ثم علم بحقيقة اسم الله الاعظم من اتَّبعه من أنصاره قلباً وقالباً، وبما أنه سوف يخاطب ربّه بحقيقة الاسم الاعظم لأن فيه سرّ الشفاعة ولذلك أذن له الله أن يُخاطب ربّه. وقال الله تعالى: 
{ وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الحقّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ }
  صدق الله العظيم [سبأ:23] 
 وقال أصحاب القلوب التي تظنّ أن يفعل بها فاقرة بعد أن سمعوا عفواً عنهم فذهب فزعهم عن قلوبهم فقالوا لزُمرة ذلك العبد: { مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ }؟
 ومن ثم ردّت عليهم زمرة ذلك العبد: { قَالُوا الحقّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } 
 صدق الله العظيم.
 وهُنا أدرك عبيد الله جميعاً حقيقة اسم الله الأعظم، وأدركوا سره المكنون في الكتاب، ومنَّ الله به على قليلٍ من عبيدٍ يحشرهم الله على منابر من نور يغبطهم الأنبياء والشهداء على ذلك المقام لهم بين يدي ربّهم وأولئك هو الوفد المُكرمون الذي يتم حشرهم إلى الرحمن وفداً. تصديقاً لقول الله تعالى:
 { يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا } 
صدق الله العظيم [مريم:85] 
وذلك هو الوفد المُكرم على رؤوس الخلائق ولكل درجات مما علموا؛ أولئك هم القوم الذين يغبطهم الأنبياء والشهداء وهم ليسوا بأنبياء ولا يطمعون أن يكونوا من الشهداء لكون هدفهم أسمى من أن يستشهدوا في سبيل الله؛ بل يريدون أن تستمر حياتهم حتى يتحقق هدى البشر؛ أولئك هم القوم أحباب الرحمن الذي وعد الله بهم في محكم كتابه في قول الله تعالى:
 { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } 
صدق الله العظيم [المائدة:54]
 أولئك هم القوم الذي يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجلسهم من ربهم. تصديقاً للحديث الحقّ عن محمد رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم- عن طريق الرواة الحقّ وأخرج ابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏
 [ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏إن من عباد الله عبادا يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله‏.‏ قيل‏:من هم يا رسول الله‏؟‏ قال‏: قوم تحابوا في الله من غير أموال ولا أنساب، وجوههم نور على منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس ].
  صدق محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. 
 وأخرج ابن أبي شيبة والحكيم الترمذي في نوادر الأصول 
عن ابن مسعود رضي الله قال‏:
 [ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏إن للمتحابين في الله تعالى عمودا من ياقوتة حمراء في رأس العمود سبعون ألف غرفة، يضيء حسنهم لأهل الجنة كما تضيء الشمس أهل الدنيا، يقول بعضهم لبعض‏: انطلقوا بنا حتى ننظر إلى المتحابين في الله، فإذا أشرفوا عليها أضاء حسنهم أهل الجنة كما تضيء الشمس لأهل الدنيا ].
 أولئك هم القوم الذين وعد الله بهم في محكم كتابه: 
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } صدق الله العظيم [المائده:54] 
 فهل ترونه ذكر جنةً أو ناراً؟ 
وذلك لأن عبادتهم لربِّهم هي أسمى العبادات في الكتاب فقدروا ربّهم حق قدره فلم يعبدوا الله خوفاً من ناره ولا طمعاً في جنته بل
 {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}،
 وبما أنهم أحبوا الله حباً شديداً أعظم من كل شيء في الوجود كُله فكيف سيرضوا بأي شيء في الوجود ما لم يكن ربّهم حبيبهم قد رضي في نفسه؟
 ألا والله الذي لا إله غيره ولا معبود سواه لو أن الله يخاطب أحد أنصار الإمام المهدي ويقول له: 
يا عبد النّعيم الأعظم لن يتحقق رضوان ربك في نفسه حتى تفتدي عبيده
 فتلقي بنفسك في نار جهنم لقال: 
[ ألا بعزتك وجلالك ربي ما كُنت ألقي بنفسي في نار جهنم فداء لولدي فلذة كبدي ولكنك أحبّ إلى نفسي من نفسي ومن ولدي ومن كافة الأنبياء والمُرسلين ومن الحور الطين والحور العين، فإذا لن يتحقق نعيمي الأعظم من جنتك حتى ألقي بنفسي في نار جهنم فإني أشهدك ربّي وأشهدُ كُل عبد خلقته لعبادتك في السماوات والأرض وكفى بالله شهيداً أني لن أمشي إلى نار جهنم مشياً؛ بل سوف أنطلق إليها مُسرعاً ما دام في ذلك تحقيق نعيمي الأعظم فتكون أنت ربي راضياً في نفسك لا مُتحسراً ولا غضبانَ، وذلك لأني أحببتك ربّي ومتعتي وكُل أمنيتي وكلّ نعيمي هو أن يكون حبيبي ربي قد رضي في نفسه ولم يعد حزيناً ولا مُتحسراً ولا غضبان، ولذلك لن يكون عبدك راضياً في نفسه أبداً حتى تكون أنت ربي راضياً في نفسك لا مُتحسراً ولا حزيناً ولا غضبان، وذلك لأني أعبدُ نعيم رضوانك ربّي، فإذا لم تُحقق لعبدك ذلك فلمَ خلقتني يا إلهي؟
 فإذا لم تحقق لعبدك النّعيم الأعظم فقد ظلمت عبدك يا إلهي، ولكنك قلت ربّي وقولك الحق: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} 
 صدق الله العظيم [الكهف:49]. 
وذلك لأن عبدك لا يستطيع ولا يريد أن يستطيع أن يقتنع بجنة النّعيم والحور العين فأفٍ لجنة النّعيم إذا لم يتحقق لعبدك النّعيم الاعظم منها فلا حاجة لي بها شيئاً يا أرحم الراحمين، فكيف يكون على ضلالٍ من اتَّخذ رضوان الله هو النّعيم الأعظم من ملكوت الدُنيا والآخرة؟ وأعلمُ أن في ذلك الحكمة من خلق عبدك وكافة عبيدك، ولن أقبل بغير ذلك بديلاً، واتخذت ذلك إليك ربي سبيلاً
وسلامٌ على المُرسلين، والحمدُ لله رب العالمين.. 
خليفة الله الإمام المهدي ناصر محمد اليماني.
 http://www.mahdi-alumma.com/showthread.php?p=6502

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.